لم يثنيها تقدمها بالعمر عن عملها التطوعي، بل زادها إصراراً، "فماذا سيأخذ الإنسان معه لدى رحيله عن الفانية سوى العمل الصالح"، هكذا تعلق الوالدة فاطمة علي ابراهيم والبالغة من العمر 8 عقود وعامين، والتي تعد نموذجاً حياً للعمل الإنساني، ونموذجاً للمرأة الإماراتية من الرعيل الأول، الذي عايش الصعاب والمحن ولكن له الفضل بما حققته الإمارات من تقدم ورقي وحضارة، هي ابنة الشارقة، تزوجت وانجبت ووقفت إلى جانب زوجها الذي كان يذهب في رحلات طويلة تارة في البحر للغوص مع البحارة وتارة في البر للعمل في التجارة ونقل البضائع إلى دول أخرى، فكانت حارسة على أولادها ومسؤولة ومربية في نفس الوقت، ولكن الحياة كانت جميلة تقول الوالدة أم يوسف: "السنع" كان من شيمنا، وكنا نعيش في الفريج كأسرة واحدة ونتناول الطعام معا. ونحتفل بالأعياد سوية، وإذا مرض أحد منا كان الجميع يبادر إلى عرض خدماته المادية والمعنوية، كانت الألفة والمحبة تسود عيشتنا على الرغم من القلة، ولكن علمتنا الكثير في حياتنا اليوم وأمس، نحن جيل جبل على عمل الخير".
وفي مرحلة متقدمة، تروي الوالدة فاطمة -وهي بالمناسبة أكبر متطوعة سنا، وعضو في مركز خدمات كبار السن التابع لدائرة الخدمات الاجتماعية في الشارقة-، أنها عملت في عدة مدارس أحدها؛ منها مدرسة الأندلس، وكان الجميع يحبني لأني كنت أحبهم بدوري، وأذكر أن مديرة المدرسة كانت الشيخة عائشة بنت محمد القاسمي، سألتني في أحد الأيام لماذا لا أحفظ القرآن، فقلت لأنني في العمل وليس لدي الوقت مع أسرتي، فأصرت علي، بل وكانت توصلني بسيارتها مع السائق بعد الدوام إلى الدرس من ثم يرجعني إلى البيت، لقد كانت علاقتها بالجميع جميلة والكل كان يجمع على حبها واحترمها لأنها تحب الخير للجميع.
وتتابع فاطمة، فيما بعد، وبعدما كبر أولادي وبعضهم من تزوج، انتسبت إلى نادي الأصالة، التابع لمركز خدمات كبار السن، وهو ينظم فعاليات وورش ورحلات لكبار المواطنين، وانضمت إلى مركز الشارقة للتطوع في العام 2017 -والذي يبلغ عدد أعضاءه اليوم 21279 متطوعا- وتطوعت في مجال التعليم والحرف اليدوية التراثية، كذلك تطوعت في الفرق التطوعية خاصة في شهر رمضان الكريم، -على الرغم من كوني صائمة- وكنا نقوم بتوزيع الطعام على المارة والفئة العاملة والسائقين خلال وقت الإفطار والسحور أيضا، كما شاركت في توزيع المير الرمضاني، وخلاصة القول أحب العمل التطوعي بكافة أشكاله، وسجلت 52 ساعة تطوعية، و11 مشاركة لغاية اليوم، مع الإشارة إلى أن وجود جائحة كورونا أثرت على مشاركتي بالفعاليات كما الجميع.
وعن سبب حبها للعمل التطوعي واستمرارها به رغم تقدمها بالعمر تجيب باختصار" سوف استمر بعملي التطوعي حتى آخر دقيقة في حياتي، كي أكسب الأجر، ومن منا لا يبغى الأجر"، ماذا سنأخذ معنا إلا العمل الصالح، جميعنا فقراء والله هو الغني.
وعن العلاقات الاجتماعية اليوم وتربية الأبناء ما بين اليوم وأمس تجيب: يمضون حياتهم وأوقاتهم على الألواح الإلكترونية والموبايلات التي تواكبهم طول الوقت، وهذه تربية خاطئة ومضرة علينا وعلى المجتمع، لقد ربيت أولادي الأربعة على التنافس في عمل الخير وحب التطوع ومساعدة الآخرين وحفظ القرآن الكريم وعلى "السنع"، الذي يجهل الكثيرون معناه اليوم، ربيتهم على الرحمة والمودة ورعاية الكبير والصغير والحمدلله ما زلت أتابعهم وأنصحهم لليوم".
وأما عن يومياتها في هذه المرحلة، فتقول أنها تمضي معظم الأوقات في المنزل، بسبب جائحة كورونا، وتشارك في نادي الأصالة وفي الرحلات التي يتم تنظيمها إفتراضيا أو واقعيا، حيث تسعد كثيرا حينما تلتقي بصديقاتها في هذه التجمعات.
ولا تنسى الوالدة فاطمة من التوجه بالشكر الجزيل إلى دائرة الخدمات الاجتماعية ودورها الرائد في الاهتمام بكبار المواطنين وعملها الدؤوب في توفير كافة متطلباتهم من كافة النواحي "فبوجودهم لسنا بحاجة لشيء".